gpldroid
طاقم الإدارة
العرائش نيوز:
في الوقت الحاضر، تشهد مدينة العرائش عملية إعادة تأهيل لمنطقة “الشرفة الأطلسية”، وهو موقع يحمل ذاكرة جماعية عميقة لسكان المدينة وزوارها. هذا الفضاء، الذي كان رمزًا للتراث الكولونيالي الإسباني في العرائش، يواجه خطر التدمير تحت مظلة مشروع حضري جديد. المشروع الحالي، الذي يهدف إلى تحسين البنية التحتية وإعادة تنظيم المنطقة، قد يؤدي بشكل نهائي إلى طمس الهوية التاريخية والثقافية للشرفة الأطلسية. هذا القرار، رغم أنه قد يُرى من منظور تنموي، يثير قلق العديد من المهتمين بالحفاظ على التراث، إذ يعتبر تعديًا على ذاكرة المدينة وهويتها البصرية التي تشكلت عبر عقود.
هذه الحادثة ليست معزولة؛ بل تمثل استمرارًا لسلسلة من التحديات التي واجهتها المعالم المعمارية الكولونيالية في العرائش منذ منتصف الثمانينيات. عبر هذه الدراسة، سنتناول بالتفصيل المراحل المختلفة للتدهور، بدءًا من الإهمال وحتى التدمير الممنهج، مع التركيز على الأسباب، العوامل المؤثرة، والانعكاسات السلبية على هوية المدينة.
الفصل الأول: الخلفية التاريخية للتراث المعماري في العرائش
1.1. أهمية التراث المعماري الكولونيالي
تعد العرائش واحدة من أبرز المدن المغربية التي تحتضن تراثًا معماريًا كولونياليًا يعود إلى فترة الحماية الإسبانية. يعكس هذا التراث مزيجًا فريدًا من العمارة الأوروبية والطراز المحلي، ما يمنحه طابعًا خاصًا ومميزًا. كان هذا التراث شاهدًا على مراحل تطور المدينة وتاريخها، حيث لعبت المباني الكولونيالية أدوارًا متعددة، من مؤسسات حكومية وقنصليات إلى فضاءات اجتماعية وسكنية.
1.2. السمات المعمارية المميزة
الطراز المعماري
تتميز المباني الكولونيالية في العرائش بتأثير واضح للطرازات المعمارية الأوروبية التي كانت سائدة خلال القرن العشرين، خاصة خلال فترة الحماية الإسبانية.
- الطراز الحديث (Art Deco):
يتمثل هذا الطراز في العديد من المباني الإدارية والسكنية التي شُيدت خلال تلك الفترة، والتي تميزت باستخدام خطوط بسيطة وهندسة وظيفية تتناسب مع المناخ المحلي.
تظهر الزخارف الهندسية والواجهات المزينة بأشكال متناظرة ومستوحاة من الفن الصناعي، ما يعكس رؤية حداثية آنذاك.
من الأمثلة البارزة على ذلك المباني الواقعة في حي Ensanche Colonial التي جمعت بين الجمال والوظيفية.
- الطراز الكلاسيكي الجديد (Neo-Classical):
برز هذا الطراز في المباني الرسمية، حيث يُظهر تفضيلًا للتماثل والأعمدة الضخمة والواجهات ذات الزخارف المستوحاة من العمارة الكلاسيكية الرومانية والإغريقية.
- التخطيط الحضري
تم تخطيط المدينة خلال الحقبة الكولونيالية بطريقة متقدمة جدًا مقارنة بالمدن التقليدية المغربية:
- تقسيم مدروس للمناطق:
تم تقسيم المدينة إلى أحياء سكنية، تجارية، وإدارية بشكل منظم.
الحي الكولونيالي (Ensanche Colonial) كان نموذجًا للتوسع الحضري الحديث. هذا الحي صُمم ليكون متكاملًا، حيث شمل مدارس، مراكز طبية، وساحات عامة.
الشوارع الواسعة:
اتسمت الطرق الرئيسية بالاتساع والتخطيط الشبكي، مما ساهم في تحسين الحركة المرورية وتسهيل الاتصال بين الأحياء المختلفة.
كانت الشوارع مرصوفة ومجهزة بشبكات حديثة للصرف الصحي، وهي ميزات نادرة في تلك الحقبة.
دمج المدينة بالطبيعة:
شمل التخطيط الحدائق العامة والمساحات الخضراء، مما جعل المدينة متناغمة مع بيئتها الطبيعية.
كانت للشرفة الأطلسية دور رئيسي كفضاء مفتوح مطل على المحيط الأطلسي، يربط بين المدينة والبيئة البحرية.
الفضاءات العامة
كانت الفضاءات العامة في العرائش خلال الحقبة الكولونيالية مراكز للتفاعل الاجتماعي والثقافي. وقد أولت السلطات الإسبانية اهتمامًا خاصًا بتطوير هذه الفضاءات لتكون متناغمة مع السياق الحضري:
- الشرفة الأطلسية:
تعد الشرفة الأطلسية من أبرز الفضاءات العامة التي أنشئت خلال تلك الفترة، حيث كان يمثل نافذة المدينة على المحيط الأطلسي.
استُخدم هذا الفضاء كمكان للتنزه والاستجمام للسكان المحليين والمسؤولين الإسبان، مما عزز دوره كملتقى اجتماعي وثقافي.
- الساحات العامة:
- مثل ساحة “Plaza de España” التي كانت مركزًا للحياة الثقافية والاجتماعية، حيث احتضنت العديد من الفعاليات العامة.
المرافق الثقافية:
- أُنشئت دور للسينما والمسرح لتعزيز الحياة الثقافية، مثل مسرح إسبانيا الذي كان يعكس الطراز الإسباني في التصميم ويحتضن العروض الثقافية, و سينما إديال و أبينيدا و كوليسيو سانتا كريستينا.
ملخص السمات المعمارية المميزة
- تمثل العمارة الكولونيالية في العرائش انعكاسًا للتأثيرات الثقافية والاقتصادية التي جلبها الإسبان خلال فترة الحماية. من خلال الطرازات المعمارية المميزة والتخطيط الحضري المنظم، ساهم هذا التراث في تشكيل هوية حضرية استثنائية لمدينة العرائش، جعلتها واحدة من أهم المراكز التاريخية والثقافية في شمال المغرب.
Continue reading...
